http://www.bbc.co.uk/arabic/index.xml

الثلاثاء، 28 يناير 2014

قصة قصيرة خبز ساخن

خبز ساخن



(برودة الشتاء القارصة )
قد اتخذ الجميع أماكنهم على فرشهم الوثير وأغطيتهم الكثيفة إلا هو !!
ظل واقفا في مكانه وكأنما تحول إلى نحت من ثلج في يديه بندقيته ممسكا بها بكل قوة وقد تجمدت عليها حتى صارتا كتلة واحدة ....
قدماه تؤلمانه من ثقل حذائه ( الميري ) ولكنه سيظل واقفا هكذا حتى الصباح ....
أخذت عيناه تجوب الشارع جيئة وذهابا وهي شبه خالية على عروشها سوى من عدد قليل من المارة إلا أنه يلتزم بتعليمات قادته المشددة باليقظة والحذر أثناء نوبته الليلية ........
- صوت القطار وهو يهرول على قضبانه يشق عباب الرياح مفارقا الأهل والأحباب إلى أقاصي البلاد تاركا خلفه والدته العجوز
 – مازالت تجلس أمام الفرن المبني من اللبن لتصنع خبزا لن يجده عند أحد في الدنيا -
عندما كان طفلا صغيرا كان يجلس بجوارها ليلتقط أول رغيف يخرج من الفرن فيخطفه غير عابئا بلهيبه وهو ينطلق مسرعا إلى شجرة في الحقل على ضفاف المسقاة وينفرد برغيفه !!
- كم كانت سعادته غامرة وهو يعلم أن جنديته ستكون بالعاصمة حيث المباني الشاهقة والعيشة المطرفة ...
سيرى أخيرا أولئك النسوة المتبرجات وعطورهن النفاذة بملابسهن النظيفة بعيدا عن الروث والباعوض وهذا الكم الهائل من السيارات التي لا تقترب حتى من قريتهم  ...
هنا اكتشف أنه حقا لم يلتفت لأيا من هذه الأمنيات !!!
فهو منذ قدومه من معسكر التدريب لم يرى سوى وجوه صارمة لا تعلم غير النهي والأمر , حتى الازدحام صار مجرد حالة يستلزمها الاستنفار الأمني الأقصى !!
الصقيع يتساقط لعلها أول مرة يرى هذا الصقيع وهو ابن الجنوب ذو الدفئ والهدوء ..
سلاحه يثقل كتفيه بشدة وحزائه كأنه من الأسمنت وخوذته الفولاذية تشعره بالصداع المزمن وتزيد حمولة جسده !!
كم تحتاج هذه الشتاء لرغيف ساخن من فرن والدته ورقعة مشمسة بالقرب من شجرته العجوز ...
في أخر خطاب أخبرته والدته عن عروسه المقبلة وزفافه الذي سيكون معأول خميس بعد انهاءه للخدمة التي لم يتبقى فيها سوى ساعات .
ساعات قلائل سيكون ممسكا برغيفه وفي اليد الأخرى سيمسك عروسه الحبيبة  - أه لو يستطيع القطار أن يقطع المسافة في لمح البصر ؟؟-
سيكون قطاره بعد الظهر ولقد اقترب الفجر سيكون هناك في الموعد تماما لعله لن يجد كرسيا لكنه سيقف الساعات الطويلة التي يستغرقها القطار فلا يهم ما دام في النهايةسيحصل على مبتغاه ورغيفه .
- مرت الساعات ولم تدم الأحلام طويلا ولقد كان في طريقه الى قريته وأمه لكنه لن يستقل القطار بل سيارة مريحة له وحده !!

يستطيع أن يمد قدميه بطولهما ويرتاح من الحذاء الثقيل أخيرا وخوذته الفولاذية ....
لن يحتاج بعد الأن أن ينتظر  راكب قطار أن يصل محطته فيجلس مكانه !!
لقد كان وحيدا منفردا ممددا في صندوقه الخشبي يتدثر بأكفانه بعد انفجار أجبره على العودة لقريته دون أن يحصل على رغيفه الأخير ......



*********************************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من فضلك نحن نتحاور من أجل الافادة فلا سب ولا تجريح